- الفقه الإسلامي / ٠5العبادات الشعائرية
- /
- ٠2الصيام
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهمّ لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنَّك أنت العليم الحكيم ، اللهمّ علِّمنا ما ينفعنا ، وانْفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علمًا ، وأرِنا الحقّ حقًا وارزقنا اتِّباعه ، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجْتِنابه ، واجْعلنا مِمَّن يستمعون القَوْل فيتَّبِعون أحْسَنَهُ ، وأدْخِلنا بِرَحمتِكَ في عبادك الصالحين .
الترغيب بذكر الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام ، قال عليه الصلاة والسلام :
(( ألا أخْبِرُكم بخيرِ أعمالِكم ، وأرفَعِها في درجاتكم ، وأزكاها عند مليكِكم ، وخير لكم من الوَرِق والذهب ، وخير لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم ، فتضربوا أعناقهم ، ويضربوا أعناقَكم؟ قالوا : بلى ، قال : ذِكْرُ الله ))
هذا الحديث أيها الأخوة ، أصل في الترغيب بذكر الله جلّ جلاله ، أجمع العلماء على أن ذكر الله يشمل تلاوة القرآن ، ويشمل الاستغفار ، ويشمل التسبيح ، والتهليل ، والحمد ، والتكبير ، ويشمل أيضاً الدعاء ، ويشمل تذكير الناس بالله ، أي كلمة تقولها تبتغي بها وجه الله فهي من ذكر الله ، أي كلمة تتقرب بها إلى الله فهي من ذكر الله ، بل إن الصلاة من أجل ذكر الله ، ذكر الله أكبر ما فيها ، تتوضأ ، وتستقبل القبلة ، وتقرأ الفاتحة ، وتركع ، وتسجد ، أكبر ما في الصلاة أن تذكر الله بقلب خاشع .
الفرق الحاسم بين المؤمن وغير المؤمن :
أيها الأخوة ، ورد في الحديث القدسي :
(( إنك إذا ذكرتني شكرتني وإذا نسيتني كفرتني ))
ذكر الله عز وجل هو الفرق الحاسم بين المؤمن وغير المؤمن ، بل إن المنافق لا يذكر الله إلا قليلاً ، يبدو أن الذكر الكثير من صفات المؤمن ، من هنا قال عليه الصلاة والسلام :
(( من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق ))
لا يجوز أن تقول عن إنسان أكثرَ من ذكر الله منافق ، فقد قال عليه الصلاة و السلام :
(( ألا أخْبِرُكم - هذه ألا تفيد الاستفتاح - بخيرِ أعمالِكم وأرفَعِها في درجاتكم وأزكاها عند مليكِكم وخير ))
العمل الصالح من أجل أن تذكر الله ، فصار الذكر هو تاج الأعمال كلها .
أيّ شيء يقرب الإنسان من الله هو من ذكر الله :
(( وأرفَعِها في درجاتكم ، وأزكاها عند مليكِكم ، وخير لكم من الوَرِق والذهب وخير لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم ، فتضربوا أعناقهم ، ويضربوا أعناقَكم ؟ قالوا : بلى ، قال : ذِكْرُ الله ))
يفهم من الحديث السابق أن في الكون حقيقة هي الله عز وجل ، فأي شيء يقربك من هذه الحقيقة فهو من ذكر الله ، بل إن تفكرت في خلق السموات والأرض من أجل أن تزداد معرفة بالله ، هذا التفكر من ذكر الله ، بل إنك لو تلوت كلام الله من أجل أن تتقرب من الله عز وجل فهو من ذكر الله ، بل إنك إن ذكرت الله باسمه المفرد الله فهو من ذكر الله ، بل إنك لو قلدت النبي صلى الله عليه وسلم بأذكاره فهو من ذكر الله ، إنك إن دعوت الله تذكره ، هذا الله جلّ جلاله ماثل في ذهنك ، المؤمن حتى في حديثه النفسي يذكر الله عز وجل ، أنك حينما تصلي تذكر الله ، لكن ذكرك لله يقابله ذكر لله لك ، وذكر الله لك أكبر من ذكرك له .
(( فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي ، وإِن ذكرني في مَلأٍ ذكرتُه في مَلأٍ خيرٍ منه ))
معنى ذلك : ذكر الله لك أكبر من ذكرك لله عز وجل .
المعنى الذي ينبغي أن نفهمه فهماً أعمق هو أنه كما ذُكر الله لك فعرفته ، واستقمت على أمره ، وأقبلت عليه ، ينبغي أن تذكره لعباده .
الدعوة إلى الله فرض عين :
الآن الشكر ، ذُكر الله لك ، دُعيت إلى الله ، دُعيت إلى طاعته ، دُعيت إلى التقلب إلى رحمته ، دُعيت إلى جنات القربات ، الوفاء يقتضي أن تذكره لعباده كما ذكرك فسعدت بقربه ، هذه الدعوة إلى الله ، وكل مؤمن يجب أن يدعو إلى الله ، والمؤمن الذي لا يفكر أبداً في أن يدعو إلى الله أحداً يُشك في إيمانه ، لأن حقيقة الإيمان ما إن تستقر في قلب الإنسان حتى تعبر عن ذاتها بذاتها ، بشكل دعوة إلى الله ، إنسان يتصل بالله ، ويذوق طعم القرب ، ولا يفكر أبداً أن يقنع أقرب الناس إليه ، أحب الناس إليه ، في أن يدعوهم إلى الله ، هذا يشك في إيمانه ، فالإنسان أي إنسان يجب أن يدعو إلى الله عز وجل ، هذه الدعوة إلى الله فرض عين ، أي أن تذكره لعباده في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، لست مكلفاً أن تجعلها دعوة عامة ، ولست مكلفاً أن تكون من أساطير العلماء حتى تكون داعية ، الذي سمعته ، الذي استوعبته ، الذي عقلته ، الذي تمثلته ، الذي تأثرت به ، هذا الجانب الذي تأثرت به انقله إلى أقرب الناس إليك ، لقد حققت الدعوة التي هي فرض عين ، وفرض كفاية .
من تشبث بذكر الله نجا و فاز :
إذاً هذا الحديث أيها الأخوة أصل في ذكر الله عز وجل :
(( ألا أخْبِرُكم بخيرِ أعمالِكم ، وأرفَعِها في درجاتكم ، وأزكاها عند مليكِكم ، وخير لكم من الوَرِق والذهب ، وخير لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم ، فتضربوا أعناقهم ، ويضربوا أعناقَكم؟ قالوا : بلى ، قال : ذِكْرُ الله ))
الحديث الثاني عن عبد الله بن بسر أن رجلاً قال يا رسول الله :
(( إِن شرائع الإِسلام قد كَثُرَت ، وأنا قد كَبِرْتُ ، فأخبرني بشيءٍ أتشبَّث به ، ولا تُكثِر عليَّ فأْنسى ، قال : لا يَزَالُ لسانُكَ رَطْبا بذِكر الله ))
هذا الشيء الذي إذا تشبثت به أنجاك .
***
أنواع مفسدات الصوم :
1 ـ المفسدات التي توجب القضاء :
والآن إلى بعض الأحكام الفقهية المتعلقة برمضان ، وقد وصلنا إلى مفسدات الصّيام ، والمفسدات أيها الأخوة على نوعين : مفسدات توجب القضاء فقط ، ومفسدات توجب القضاء والكفارة .
فأما المفسدات التي توجب القضاء فقط ، فهي إذا تناول الصائم في أداء رمضان شيئًا ووصل إلى جوفه ، وكان ممَّا لا يتغذى به عادةً ، ولا يعتاد أكلهُ كالأرزّ النيء ، العجين، الدقيق ، الملح ، نواة تمرة ، حصاة ، ورق كتابة ، شيءٌ لا يعتاد أكله ، ولا يُؤلفُ ، إذا وصل إلى جوف الصائم يوجبُ عليه القضاء فقط دون الكفارة ، هذا هو الحكم الأوَّل .
تراب ، شيءٌ لا يقبلهُ الطَّبع ، رزّ نيء ، عجين ، طحين ، إذا أكل شيئًا ممَّا لا يعتاد أكله ، ممّا ينفر الطَّبع منه ، فوصَل إلى جوْفه فعليه القضاء دون الكفارة .
إذا تناوَلَ غذاءً أو دواءً لعُذْرٍ شرعي ، كالمرض والسَّفر ، مريضٌ تناوَلَ طعامه ومسافر تناول غذاءهُ ، أو دواءً ، هناك عُذْرٌ شرعي ، أيضًا هذا يوجب القضاء لا الكفارة .
من أكل أو شرب مضْطرًّا ، أو مكرهًا ، ومعنى مضْطرّ على وشك الهلاك فأكل ، على وشك الموت عطشًا فشرب ، أكل وشرب مضطرًّا ، هذا يوجب القضاء لا الكفارة .
من أكل وشربَ مكرهًا تحت قوَّة السِّلاح إذا لم تأكل قُتِلْت ، أكلت وشربْت الأوّل مضطرّ ، والآن مكره ، وهناك فرْق بينهما ، من أكل أو شرب مضطرًا أو مكرهاً يوجب عليه القضاء لا الكفارة .
الآن إذا دخل إلى جوف الإنسان شيءٌ خطأ وهو يتمضْمض ، بالغَ في المضمضة مع أنّ النبي عليه الصلاة والسلام يقول : " بالِغْ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائمًا ..." وهو صائم بالغَ في المضمضة فابْتَلَعَ شيئاً من الماء ، يجب عليه القضاء لا الكفارة .
لو أنّ الإنسان ابتلع ماءً أثناء المضمضة وتوهَّم خطأً أنَّه أفطَر ، فهو أفْطر لكن عليه أن يمْسك بقيَّة اليوم ، هذا الحكم لا يعرفهُ ، ما دُمْتُ قد أفطرْت لا ـاكل ، الآن أكل وشرب ظانًّا أنّ خطأهُ السابق جعله مفطِراً أيضًا يجب عليه قضاء ذلك اليوم .
في المذهب الحنفي الحقنة الشرجيَّة تفطر ، لأنَّها دخول ماءٍ إلى الجوف ، هذا الموضوع خلافي ، بعض العلماء يرَوْن أنّ دخول الطَّعام والشَّراب إلى الجوف عن الطريق المألوف وهو الفم ؛ هذا الذي يُفطر ، وبعضهم أخذ في الاحتياط ، فقال : وُصول شيءٍ إلى الجوف ، ولو من جهة ليْسَت معتادة هذا أيضًا يُفْطر ، لذا قاسوا عليه صبّ الدواء في الأنف، والأذن ، واستعمال النشوق والسّعوط ، واستعمال الأدوية الطيَّارة بطريقة التَّنفّس أو التبخير، وإدخال الهواء بالحنجرة ، هنا دخلْنا في الخلافيَّات ، والأحْوَط إذا لمْ يكن الإنسان مضطرًّا ، له أن يُفطر إذا كان مريضًا .
إذا أمسك عن الطّعام والشراب ، ونسيَ أن ينْوي ، الأفضل أن ينْوي الإنسان عن طول شهر رمضان ، ولكن إذا أراد أن ينْوي كلّ يومٍ عن حِدَة وهناك يوم لم ينوِ ، وأمسك عن الطعام والشراب بلا نيَّة ، هذا اليوم يجب أن يصومهُ ثانيَة ، وعليه القضاء دون الكفارة .
الآن أكل وشرب ، وقد ظنّ أنَّ الفجر لمْ يطلع ، ثمَّ تبيَّن أنّ الفجر قد طلع ، سمع الأذان فظنَّه أذان الإمساك ، فشرِبَ كأس ماء ، ولمَّا انتهى الأذان عرف أنَّ هذا الأذان أذان الفجر إذًا عليه أن يصوم مكان هذا اليوم ، يجب أن يقضيَهُ دون كفّارة ، هذه كلّها أشياء توجب القضاء لا الكفارة .
مثال آخر : لو أنَّه سمع أذان المغرب فظنَّه مغربَنا ، فإذا هو مغرب بلدٍ آخر ، فأكل عليه أن يقضي هذا اليوم .
الآن من اسْتقاء ؛ تكلَّفَ القيْء عمْدًا ، وكان القيءُ ملء فمِهِ ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( من استقاء عمْدًا فلْيَقْضِ))
الآن من أكل ما بين أسنانه ، وكان قدْر الحمصة ، وهذه نادرة ، سمسمة والإنسان عليه أن يجهد بِغَسل أسنانه جيِّدًا ، أما إذا بقيَ شيئًا ، وكان حجمهُ قدْر الحمصة فعليه أن يقضيَ يومًا مكانه .
إذا أنشأ السَّفر بعد الفجر ، هذا مخالف للسنّة ، عليه أن يقضي ذلك اليوم .
تلخيص لما سبق :
لمزيد من الفائدة أعيد عليكم بشكل سريع الأشياء التي تفسد الصَّوم ، وتوجب القضاء لا الكفارة :
من أكل شيئًا لا يتغذى به عادةً ، ولا تألفه الطِّباع ، عجين ، رزّ نيء ، ورقة ، فإذا الطالب معه ورقة وخاف من المراقب ، وبلعها ؛ هذا يفطِر وأذْهب عليه يومًا ، وهذا يفعلهُ الطلاب ، عجين ، نخالة ، دقيق ، تراب ، أيّ شيءٍ تنفر الطِّباع منه ، ولا تألفهُ الطِّباع ، ولا يُتغذَّى منه ، إذا أكله الصائم يجب عليه القضاء لا الكفارة .
إذا أكل طعامًا مألوفًا ، أو دواءً لِعُذرٍ شرعي ، مرض ، أو سفر يجب عليه القضاء لا الكفارة .
ومن أكل أو شرب مضطرًّا على وشك الموت عطشًا ، انْهارَت قِواهُ جوعًا ، هذا أكل مضطرًّا أو شرب ، ومن أكل أو شرب مكرهًا تحت قوَّة السلاح ، وهذا الذي يُهدِّدُه يفعلُ ما يقول وغلبَ على ظنِّه أنَّه سيفعل هذا ، هذا عليه القضاء لا الكفارة .
ومن دخل إلى جوفهِ ماءٌ أو طعامٌ خطأً ، كمن تمضْمَض ، وسبق الماء إلى جوفه هذا يجب عليه القضاء لا الكفارة ، ومن فعل شيئًا يوجب القضاء فظنّ أنَّه أفطرَ فأكلَ أكلاً عاديًّا ، أثناء المضمضة صباحًا دخل ماءٌ إلى جوفه ، فظنَّ أنَّه أفْطر ، فأكل أكلاً عاديًّا ، هذا غلط ، من أفْطَر مخطئًا عليه أن يمسك عن الطعام والشراب بقيَّة اليوم حُرْمةً لهذا الشهر العظيم.
الحقنة الشَّرجيَّة ، دواء في الأذن ، في الأنف ، نشوق ، سعوط ، أدْويَة طيّارة لمَن يشْكون الرَّبو ، كلّ شيءٍ وصَل إلى الجوف ، إما إلى الرئة عن طريق الأنف أو الأذن أو عن طريق الحنْجرة ، أو عن طريق الشَّرْج ، هذا في الأحوط يوجب القضاء لا الكفارة ، إذا قلنا مريض هذا عليه أن يفطر .
إذا أمسك عن الطعام والشراب يومًا كاملاً من غير نيَّة ، هذا يجب عليه القضاء لا الكفارة .
أكل ويظنّ أنَّ هذا الأذان أذان الإمساك ، فإذا هو أذان الفجر ، أو سمع الأذان فظنَّه أذان المغرب ، فإذا هو أذان مغربٍ آخر بغير بلدنا ، هذا يجب عليه القضاء لا الكفارة .
ومن استقاء عمدًا ، هذا يجب عليه القضاء لا الكفارة ، ومن أكل ما بين أسنانه وكان فوق الحمصَة ، هذا يجب عليه القضاء لا الكفارة .
من أنشأ سفرًا بعد الفجر ، وهذا مخالفٌ للسنّة ، لأنَّ السَّفر لا ينعقد إلا فعلاً لا نيَّةً يجب أن تسافر قبل الفجر ، أما إذا سافرْتَ يجب أن تُتِمَّ الصِّيام ، فإذا بلغَتْ بك المشقَّةُ أوْجَها لك أن تفْطِرَ .